حدیث ۱۶۶۲

(۱۶۶۲، ۱۷۲۳، ۲۲۳۷، ۲۴۳۱، ۴۹۴۹، ۶۰۴۱، ۶۳۱۷، ۷۰۸۳، ۷۹۴۲، ۸۵۸۹، ۸۸۶۰، ۹۰۳۳، ۹۳۴۷، ۹۴۹۹، ۱۰۵۳۶ و ۱۰۸۴۸) عیون أخبار الرضا علیه‌السلام (ج ۱، ص ۲۲۸) و الأمالی للصدوق (ص ۵۲۲): حَدَّثَنا عَلیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ بْنِ شاذَوَیْهِ الْمُؤَدِّبُ وَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرورٍ رضی‌الله‌عنهما قالا حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْیَریُ عَنْ أبیهِ عَنِ الرَّیّانِ بْنِ الصَّلْتِ قالَ: «حَضَرَ الرِّضا علیه‌السلام مَجْلِسَ الْمَأْمونِ بِمَرْوَ وَ قَدِ اجْتَمَعَ فی مَجْلِسِهِ جَماعَةٌ مِنْ عُلَماءِ أهْلِ الْعِراقِ وَ خُراسانَ. فَقالَ الْمَأْمونُ: «أخْبِرونی عَنْ مَعْنَی هَذِهِ الْآیَةِ: «ثُمَّ أوْرَثْنا الْکِتابَ الَّذینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا»». فَقالَتِ الْعُلَماءُ: «أرادَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِذَلِکَ الْأُمَّةَ کُلَّها.» فَقالَ الْمَأْمونُ: «ما تَقولُ یا أباالْحَسَنِ؟!» فَقالَ الرِّضا علیه‌السلام: «لا أقولُ کَما قالوا وَ لَکِنّی أقولُ: «أرادَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِذَلِکَ الْعِتْرَةَ الطّاهِرَةَ.»» فَقالَ الْمَأْمونُ: «وَ کَیْفَ عَنَی الْعِتْرَةَ مِنْ دونِ الْأُمَّةِ؟» فَقالَ لَهُ الرِّضا علیه‌السلام: «إنَّهُ لَوْ أرادَ الْأُمَّةَ، لَکانَتْ أجْمَعُها فی الْجَنَّةِ. لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَ: «فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ بِإذْنِ اللهِ ذلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبیرُ». ثُمَّ جَمَعَهُمْ کُلَّهُمْ فی الْجَنَّةِ فَقالَ عَزَّ وَ جَلَ: «جَنّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلونَها یُحَلَّوْنَ فیها مِنْ أساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ» الْآیَةَ. فَصارَتِ الْوِراثَةُ لِلْعِتْرَةِ الطّاهِرَةِ لا لِغَیْرِهِمْ. فَقالَ الْمَأْمونُ: «مَنِ الْعِتْرَةُ الطّاهِرَةُ؟» فَقالَ الرِّضا علیه‌السلام: «الَّذینَ وَصَفَهُمُ اللهُ فی کِتابِهِ. فَقالَ عَزَّ وَ جَلَ: «إنَّما یُریدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهیراً» وَ هُمُ الَّذینَ قالَ رَسولُ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله: «إنّی مُخَلِّفٌ فیکُمُ الثَّقَلَیْنِ، کِتابَ اللهِ وَ عِتْرَتی أهْلَ بَیْتی. ألا! وَ إنَّهُما لَنْ یَفْتَرِقا حَتَّی یَرِدا عَلَیَّ الْحَوْضَ. فَانْظُروا کَیْفَ تَخْلُفونَ فیهِما. أیُّها النّاسُ! لا تُعَلِّموهُمْ، فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْکُمْ». قالَتِ الْعُلَماءُ: «أخْبِرْنا یا أباالْحَسَنِ! عَنِ الْعِتْرَةِ. أ هُمُ الْآلُ أمْ غَیْرُ الْآلِ؟» فَقالَ الرِّضا علیه‌السلام: «هُمُ الْآلُ». فَقالَتِ الْعُلَماءُ: «فَهَذا رَسولُ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله یُؤْثَرُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: «أُمَّتی آلی» وَ هَؤُلاءِ أصْحابُهُ یَقولونَ بِالْخَبَرِ الْمُسْتَفاضِ الَّذی لا یُمْکِنُ دَفْعُهُ: «آلُ مُحَمَّدٍ أُمَّتُهُ»». فَقالَ أبوالْحَسَنِ علیه‌السلام: «أخْبِرونی فَهَلْ تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ عَلَی الْآلِ؟» فَقالوا: «نَعَمْ!» قالَ: «فَتَحْرُمُ عَلَی الْأُمَّةِ؟» قالوا: «لا!» قالَ: «هَذا فَرْقٌ بَیْنَ الْآلِ وَ الْأُمَّةِ. وَیْحَکُمْ! أیْنَ یُذْهَبُ بِکُمْ؟! أ ضَرَبْتُمْ عَنِ الذِّکْرِ صَفْحاً أمْ أنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفونَ؟! ما عَلِمْتُمْ أنَّهُ وَقَعَتِ الْوِراثَةُ وَ الطَّهارَةُ عَلَی الْمُصْطَفَیْنَ الْمُهْتَدینَ دونَ سائِرِهِمْ؟!» قالوا: «وَ مِنْ أیْنَ یا أباالْحَسَنِ؟!» فَقالَ: «مِنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَ: «وَ لَقَدْ أرْسَلْنا نوحاً وَ إبْراهیمَ وَ جَعَلْنا فی ذُرّیَّتِهِما النُّبُوَّةَ وَ الْکِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ کَثیرٌ مِنْهُمْ فاسِقونَ» فَصارَتْ وِراثَةُ النُّبُوَّةِ وَ الْکِتابِ لِلْمُهْتَدینَ دونَ الْفاسِقینَ. أ ما عَلِمْتُمْ أنَّ نوحاً حینَ سَألَ رَبَّهُ عَزَّ وَ جَلَ: «فَقالَ رَبِّ إنَّ ابْنی مِنْ أهْلی وَ إنَّ وَعْدَکَ الْحَقُّ وَ أنْتَ أحْکَمُ الْحاکِمینَ» وَ ذَلِکَ أنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَعَدَهُ أنْ یُنْجیَهُ وَ أهْلَهُ. فَقالَ رَبُّهُ عَزَّ وَ جَلَ: «یا نوحُ! … إنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صالِحٍ، فَلا تَسْئَلْنِ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إنّی أعِظُکَ أنْ تَکونَ مِنَ الْجاهِلینَ»» فَقالَ الْمَأْمونُ: «هَلْ فَضَّلَ اللهُ الْعِتْرَةَ عَلَی سائِرِ النّاسِ؟» فَقالَ أبوالْحَسَنِ: «إنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ أبانَ فَضْلَ الْعِتْرَةِ عَلَی سائِرِ النّاسِ فی مُحْکَمِ کِتابِهِ.» فَقالَ لَهُ الْمَأْمونُ: «وَ أیْنَ ذَلِکَ مِنْ کِتابِ اللهِ؟» فَقالَ لَهُ الرِّضا علیه‌السلام: «فی قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَ: «إنَّ اللهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نوحاً وَ آلَ إبْراهیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمینَ ذُرّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللهُ سَمیعٌ عَلیمٌ» وَ قالَ عَزَّ وَ جَلَّ فی مَوْضِعٍ آخَرَ «أمْ یَحْسُدونَ النّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنا آلَ إبْراهیمَ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ آتَیْناهُمْ مُلْکاً عَظیماً» ثُمَّ رَدَّ الْمُخاطَبَةَ فی أثَرِ هَذِهِ إلَی سائِرِ الْمُؤْمِنینَ فَقالَ: «یا أیُّها الَّذینَ آمَنوا أطیعوا اللهَ وَ أطیعوا الرَّسولَ وَ أولی الْأمْرِ مِنْکُمْ» یَعْنی الَّذی قَرَنَهُمْ بِالْکِتابِ وَ الْحِکْمَةِ وَ حَسَدوا عَلَیْهِما. فَقَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ: «أمْ یَحْسُدونَ النّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنا آلَ إبْراهیمَ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ آتَیْناهُمْ مُلْکاً عَظیماً» یَعْنی الطّاعَةَ لِلْمُصْطَفَیْنَ الطّاهِرینَ. فَالْمُلْکُ هاهُنا هُوَ الطّاعَةُ لَهُمْ». فَقالَتِ الْعُلَماءُ: «فَأخْبِرْنا هَلْ فَسَّرَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ الِاصْطِفاءَ فی الْکِتابِ» فَقالَ الرِّضا علیه‌السلام: «فَسَّرَ الِاصْطِفاءَ فی الظّاهِرِ سِوَی الْباطِنِ فی اثْنَیْ عَشَرَ مَوْطِناً وَ مَوْضِعاً. فَأوَّلُ ذَلِکَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ: ««وَ أنْذِرْ عَشیرَتَکَ الْأقْرَبینَ» وَ رَهْطَکَ الْمُخْلَصینَ». هَکَذا فی قِراءَةِ أُبَیِّ بْنِ کَعْبٍ وَ هیَ ثابِتَةٌ فی مُصْحَفِ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعودٍ وَ هَذِهِ مَنْزِلَةٌ رَفیعَةٌ وَ فَضْلٌ عَظیمٌ وَ شَرَفٌ عالٍ حینَ عَنَی اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِذَلِکَ الْآلَ، فَذَکَرَهُ لِرَسولِ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله، فَهَذِهِ واحِدَةٌ. وَ الْآیَةُ الثّانیَةُ فی الِاصْطِفاءِ، قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ: «إنَّما یُریدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهیراً» وَ هَذا الْفَضْلُ الَّذی لا یَجْهَلُهُ أحَدٌ إلّا مُعانِدٌ ضالُ، لِأنَّهُ فَضْلٌ بَعْدَ طَهارَةٍ تُنْتَظَرُ؟ فَهَذِهِ الثّانیَةُ. وَ أمّا الثّالِثَةُ، فَحینَ مَیَّزَ اللهُ الطّاهِرینَ مِنْ خَلْقِهِ، فَأمَرَ نَبیَّهُ بِالْمُباهَلَةِ بِهِمْ فی آیَةِ الِابْتِهالِ. فَقالَ عَزَّ وَ جَلَّ: «یا مُحَمَّدُ! «فَمَنْ حاجَّکَ فیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا وَ أبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أنْفُسَنا وَ أنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَی الْکاذِبینَ»، فَبَرَزَ النَّبیُّ صلی‌الله‌علیه‌وآله عَلیّاً وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ وَ فاطِمَةَ علیهم‌السلام وَ قَرَنَ أنْفُسَهُمْ بِنَفْسِهِ. فَهَلْ تَدْرونَ ما مَعْنَی قَوْلِهِ: «وَ أنْفُسَنا وَ أنْفُسَکُمْ»»؟ قالَتِ الْعُلَماءُ: «عَنَی بِهِ نَفْسَهُ». فَقالَ أبوالْحَسَنِ علیه‌السلام: «لَقَدْ غَلِطْتُمْ. إنَّما عَنَی بِها عَلیَّ بْنَ أبی‌طالِبٍ علیه‌السلام وَ مِمّا یَدُلُّ عَلَی ذَلِکَ، قَوْلُ النَّبیِّ صلی‌الله‌علیه‌وآله حینَ قالَ: «لَیَنْتَهیَنَّ بَنو وَلیعَةَ أوْ لَأبْعَثَنَّ إلَیْهِمْ رَجُلاً کَنَفْسی»، یَعْنی عَلیَّ بْنَ أبی‌طالِبٍ علیه‌السلام وَ عَنَی بِالْأبْناءِ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ علیهماالسلام وَ عَنَی بِالنِّساءِ فاطِمَةَ علیهاالسلام. فَهَذِهِ خُصوصیَّةٌ لا یَتَقَدَّمُهُمْ فیها أحَدٌ وَ فَضْلٌ لا یَلْحَقُهُمْ فیهِ بَشَرٌ وَ شَرَفٌ لا یَسْبِقُهُمْ إلَیْهِ خَلْقٌ، إذْ جَعَلَ نَفْسَ عَلیٍّ علیه‌السلام کَنَفْسِهِ، فَهَذِهِ الثّالِثَةُ. وَ أمّا الرّابِعَةُ، فَإخْراجُهُ صلی‌الله‌علیه‌وآله النّاسَ مِنْ مَسْجِدِهِ ما خَلا الْعِتْرَةَ حَتَّی تَکَلَّمَ النّاسُ فی ذَلِکَ وَ تَکَلَّمَ الْعَبّاسُ، فَقالَ: «یا رَسولَ اللهِ! تَرَکْتَ عَلیّاً وَ أخْرَجْتَنا؟» فَقالَ رَسولُ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله: «ما أنا تَرَکْتُهُ وَ أخْرَجْتُکُمْ وَ لَکِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ تَرَکَهُ وَ أخْرَجَکُمْ» وَ فی هَذا تِبْیانُ قَوْلِهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله لِعَلیٍّ علیه‌السلام: «أنْتَ مِنّی بِمَنْزِلَةِ هارونَ مِنْ موسَی»» قالَتِ الْعُلَماءُ: «وَ أیْنَ هَذا مِنَ الْقُرْآنِ؟» قالَ أبوالْحَسَنِ: «أوجِدُکُمْ فی ذَلِکَ قُرْآناً وَ أقْرَؤُهُ عَلَیْکُمْ.» قالوا: «هاتِ!» قالَ: «قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَ: «وَ أوْحَیْنا إلی موسی وَ أخیهِ أنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِکُما بِمِصْرَ بُیوتاً وَ اجْعَلوا بُیوتَکُمْ قِبْلَةً»، فَفی هَذِهِ الْآیَةِ مَنْزِلَةُ هارونَ مِنْ موسَی وَ فیها أیْضاً مَنْزِلَةُ عَلیٍّ علیه‌السلام مِنْ رَسولِ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله وَ مَعَ هَذا دَلیلٌ واضِحٌ فی قَوْلِ رَسولِ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله حینَ قالَ: «ألا! إنَّ هَذا الْمَسْجِدَ لا یَحِلُّ لِجُنُبٍ إلّا لِمُحَمَّدٍ صلی‌الله‌علیه‌وآله وَ آلِهِ» قالَتِ الْعُلَماءُ: «یا أباالْحَسَنِ! هَذا الشَّرْحُ وَ هَذا الْبَیانُ لا یوجَدُ إلّا عِنْدَکُمْ مَعاشِرَ أهْلِ بَیْتِ رَسولِ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله». فَقالَ: «وَ مَنْ یُنْکِرُ لَنا ذَلِکَ وَ رَسولُ اللهِ یَقولُ: «أنا مَدینَةُ الْعِلْمِ وَ عَلیٌّ بابُها، فَمَنْ أرادَ الْمَدینَةَ، فَلْیَأْتِها مِنْ بابِها.» فَفیما أوْضَحْنا وَ شَرَحْنا مِنَ الْفَضْلِ وَ الشَّرَفِ وَ التَّقْدِمَةِ وَ الِاصْطِفاءِ وَ الطَّهارَةِ، ما لا یُنْکِرُهُ إلّا مُعانِدو اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الْحَمْدُ عَلَی ذَلِکَ. فَهَذِهِ الرّابِعَةُ. وَ الْآیَةُ الْخامِسَةُ، قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَ: «وَ آتِ ذا الْقُرْبی حَقَّهُ» خُصوصیَةٌ خَصَّهُمُ اللهُ الْعَزیزُ الْجَبّارُ بِها وَ اصْطَفاهُمْ عَلَی الْأُمَّةِ. فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ عَلَی رَسولِ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله، قالَ: «ادْعوا إلَیَّ فاطِمَةَ». فَدُعیَتْ لَهُ، فَقالَ: «یا فاطِمَةُ!» قالَتْ: «لَبَّیْکَ یا رَسولَ اللهِ!» فَقالَ: «هَذِهِ فَدَکُ مِمّا هیَ لَمْ یوجَفْ عَلَیْهِ بِالْخَیْلِ وَ لا رِکابٍ وَ هیَ لی خاصَّةً دونَ الْمُسْلِمینَ وَ قَدْ جَعَلْتُها لَکِ لِما أمَرَنیَ اللهُ تَعالَی بِهِ. فَخُذیها لَکِ وَ لِوُلْدِکِ.» فَهَذِهِ الْخامِسَةُ. وَ الْآیَةُ السّادِسَةُ، قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَ: «قُلْ لا أسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فی الْقُرْبی» وَ هَذِهِ خُصوصیَةٌ لِلنَّبیِّ صلی‌الله‌علیه‌وآله إلَی یَوْمِ الْقیامَةِ وَ خُصوصیَّةٌ لِلْآلِ دونَ غَیْرِهِمْ وَ ذَلِکَ أنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ حَکَی فی ذِکْرِ نوحٍ فی کِتابِهِ: «یا قَوْمِ لا أسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مالاً إنْ أجریَ إلّا عَلَی اللهِ وَ ما أنا بِطارِدِ الَّذینَ آمَنوا إنَّهُمْ مُلاقوا رَبِّهِمْ وَ لکِنّی أراکُمْ قَوْماً تَجْهَلونَ» وَ حَکَی عَزَّ وَ جَلَّ عَنْ هودٍ أنَّهُ قالَ: «یا قَوْمِ لا أسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أجْراً إنْ أجْریَ إلّا عَلَی الَّذی فَطَرَنی أ فَلا تَعْقِلونَ» وَ قالَ عَزَّ وَ جَلَّ لِنَبیِّهِ مُحَمَّدٍ صلی‌الله‌علیه‌وآله: «قُلْ یا مُحَمَّدُ! «لا أسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فی الْقُرْبی» وَ لَمْ یَفْرِضِ اللهُ تَعالَی مَوَدَّتَهُمْ إلّا وَ قَدْ عَلِمَ أنَّهُمْ لا یَرْتَدّونَ عَنِ الدّینِ أبَداً وَ لا یَرْجِعونَ إلَی ضَلالٍ أبَداً وَ أُخْرَی أنْ یَکونَ الرَّجُلُ وادّاً لِلرَّجُلِ، فَیَکونُ بَعْضُ أهْلِ بَیْتِهِ عَدُوّاً لَهُ، فَلا یَسْلَمُ لَهُ قَلْبُ الرَّجُلِ. فَأحَبَّ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ أنْ لا یَکونَ فی قَلْبِ رَسولِ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله عَلَی الْمُؤْمِنینَ شَیْءٌ، فَفَرَضَ عَلَیْهِمُ اللهُ مَوَدَّةَ ذَوی الْقُرْبَی. فَمَنْ أخَذَ بِها وَ أحَبَّ رَسولَ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله وَ أحَبَّ أهْلَ بَیْتِهِ، لَمْ یَسْتَطِعْ رَسولُ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله أنْ یُبْغِضَهُ وَ مَنْ تَرَکَها وَ لَمْ یَأْخُذْ بِها وَ أبْغَضَ أهْلَ بَیْتِهِ، فَعَلَی رَسولِ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله أنْ یُبْغِضَهُ، لِأنَّهُ قَدْ تَرَکَ فَریضَةً مِنْ فَرائِضِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ. فَأیُّ فَضیلَةٍ وَ أیُّ شَرَفٍ یَتَقَدَّمُ هَذا أوْ یُدانیهِ؟ فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَذِهِ الْآیَةَ عَلَی نَبیِّهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله: «قُلْ لا أسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فی الْقُرْبی». فَقامَ رَسولُ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله فی أصْحابِهِ، فَحَمِدَ اللهَ وَ أثْنَی عَلَیْهِ وَ قالَ: «یا أیُّها النّاسُ! إنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ فَرَضَ لی عَلَیْکُمْ فَرْضاً، فَهَلْ أنْتُمْ مُؤَدّوهُ؟» فَلَمْ یُجِبْهُ أحَدٌ. فَقالَ: «یا أیُّها النّاسُ! إنَّهُ لَیْسَ مِنْ فِضَّةٍ وَ لا ذَهَبٍ وَ لا مَأْکولٍ وَ لا مَشْروبٍ.» فَقالوا: «هاتِ إذاً!» فَتَلا عَلَیْهِمْ هَذِهِ الْآیَةَ، فَقالوا: «أمّا هَذِهِ فَنَعَمْ!» فَما وَفَی بِها أکْثَرُهُمْ وَ ما بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبیّاً إلّا أوْحَی إلَیْهِ أنْ لا یَسْألَ قَوْمَهُ أجْراً، لِأنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ یُوَفّیهِ أجْرَ الْأنْبیاءِ وَ مُحَمَّدٌ صلی‌الله‌علیه‌وآله فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ طاعَتَهُ وَ مَوَدَّةَ قَرابَتِهِ عَلَی أُمَّتِهِ وَ أمَرَهُ أنْ یَجْعَلَ أجْرَهُ فیهِمْ، لِیُؤَدّوهُ فی قَرابَتِهِ بِمَعْرِفَةِ فَضْلِهِمُ الَّذی أوْجَبَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُمْ فی الْمَوَدَّةِ، إنَّما تَکونُ عَلَی قَدْرِ مَعْرِفَةِ الْفَضْلِ. فَلَمّا أوْجَبَ اللهُ تَعالَی ذَلِکَ، ثَقُلَ ذَلِکَ لِثِقَلِ وُجوبِ الطّاعَةِ، فَتَمَسَّکَ بِها قَوْمٌ قَدْ أخَذَ اللهُ میثاقَهُمْ عَلَی الْوَفاءِ وَ عانَدَ أهْلُ الشِّقاقِ وَ النِّفاقِ وَ ألْحَدوا فی ذَلِکَ، فَصَرَفوهُ عَنْ حَدِّهِ الَّذی حَدَّهُ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ. فَقالوا: «الْقَرابَةُ هُمُ الْعَرَبُ کُلُّها وَ أهْلُ دَعْوَتِهِ»، فَعَلَی أیِّ الْحالَتَیْنِ کانَ فَقَدْ عَلِمْنا أنَّ الْمَوَدَّةَ هیَ لِلْقَرابَةِ، فَأقْرَبُهُمْ مِنْ النَّبیِّ صلی‌الله‌علیه‌وآله أوْلاهُمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ کُلَّما قَرُبَتِ الْقَرابَةُ کانَتِ الْمَوَدَّةُ عَلَی قَدْرِها وَ ما أنْصَفوا نَبیَّ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله فی حیطَتِهِ وَ رَأْفَتِهِ وَ ما مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَی أُمَّتِهِ مِمّا تَعْجِزُ الْألْسُنُ عَنْ وَصْفِ الشُّکْرِ عَلَیْهِ أنْ لا یُؤَدّوهُ فی ذُرّیَّتِهِ وَ أهْلِ بَیْتِهِ وَ أنْ یَجْعَلوهُمْ فیهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَیْنِ مِنَ الرَّأْسِ حِفْظاً لِرَسولِ اللهِ فیهِمْ وَ حُبّاً لَهُمْ. فَکَیْفَ وَ الْقُرْآنُ یَنْطِقُ بِهِ وَ یَدْعو إلَیْهِ وَ الْأخْبارُ ثابِتَةٌ بِأنَّهُمْ أهْلُ الْمَوَدَّةِ وَ الَّذینَ فَرَضَ اللهُ تَعالَی مَوَدَّتَهُمْ وَ وَعَدَ الْجَزاءَ عَلَیْها، فَما وَفَی أحَدٌ بِها، فَهَذِهِ الْمَوَدَّةُ لا یَأْتی بِها أحَدٌ مُؤْمِناً مُخْلِصاً إلّا اسْتَوْجَبَ الْجَنَّةَ لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ فی هَذِهِ الْآیَةِ: «وَ الَّذینَ آمَنوا وَ عَمِلوا الصّالِحاتِ فی رَوْضاتِ الْجَنّاتِ لَهُمْ ما یَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبیرُ ذلِکَ الَّذی یُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذینَ آمَنوا وَ عَمِلوا الصّالِحاتِ قُلْ لا أسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فی الْقُرْبی» مُفَسَّراً وَ مُبَیَّناً». ثُمَّ قالَ أبوالْحَسَنِ علیه‌السلام: «حَدَّثَنی أبی عَنْ جَدّی عَنْ آبائِهِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلیٍّ علیهم‌السلام قالَ: «اجْتَمَعَ الْمُهاجِرونَ وَ الْأنْصارُ إلَی رَسولِ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله، فَقالوا: «إنَّ لَکَ یا رَسولَ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله! مَئونَةً فی نَفَقَتِکَ وَ فیمَنْ یَأْتیکَ مِنَ الْوُفودِ وَ هَذِهِ أمْوالُنا مَعَ دِمائِنا، فَاحْکُمْ فیها بارّاً مَأْجوراً، أعْطِ ما شِئْتَ وَ أمْسِکْ ما شِئْتَ مِنْ غَیْرِ حَرَجٍ.» قالَ: «فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیْهِ الرّوحَ الْأمینَ، فَقالَ: «یا مُحَمَّدُ! «قُلْ لا أسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فی الْقُرْبی». یَعْنی أنْ تَوَدّوا قَرابَتی مِنْ بَعْدی. فَخَرَجوا فَقالَ الْمُنافِقونَ: «ما حَمَلَ رَسولَ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله عَلَی تَرْکِ ما عَرَضْنا عَلَیْهِ إلّا لِیَحُثَّنا عَلَی قَرابَتِهِ مِنْ بَعْدُ». إنْ هُوَ إلّا شَیْءٌ افْتَراهُ فی مَجْلِسِهِ وَ کانَ ذَلِکَ مِنْ قَوْلِهِمْ عَظیماً. فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَذِهِ الْآیَةَ: «أمْ یَقولونَ افْتَراهُ قُلْ إنِ افْتَرَیْتُهُ فَلا تَمْلِکونَ لی مِنَ اللهِ شَیْئاً هُوَ أعْلَمُ بِما تُفیضونَ فیهِ کَفی بِهِ شَهیداً بَیْنی وَ بَیْنَکُمْ وَ هُوَ الْغَفورُ الرَّحیمُ». فَبَعَثَ عَلَیْهِمُ النَّبیُّ صلی‌الله‌علیه‌وآله، فَقالَ: «هَلْ مِنْ حَدَثٍ؟» فَقالوا: «إی! وَ اللهِ! یا رَسولَ اللهِ! لَقَدْ قالَ بَعْضُنا کَلاماً غَلیظاً کَرِهْناهُ». فَتَلا عَلَیْهِمْ رَسولُ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله الْآیَةَ. فَبَکَوْا وَ اشْتَدَّ بُکاؤُهُمْ، فَأنْزَلَ عَزَّ وَ جَلَ: «وَ هُوَ الَّذی یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ یَعْفوا عَنِ السَّیِّئاتِ وَ یَعْلَمُ ما تَفْعَلونَ»». فَهَذِهِ السّادِسَةُ. وَ أمّا الْآیَةُ السّابِعَةُ، فَقَوْلُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَ: «إنَّ اللهَ وَ مَلائِکَتَهُ یُصَلّونَ عَلَی النَّبیِّ یا أیُّها الَّذینَ آمَنوا صَلّوا عَلَیْهِ وَ سَلِّموا تَسْلیماً». قالوا: «یا رَسولَ اللهِ! قَدْ عَرَفْنا التَّسْلیمَ عَلَیْکَ، فَکَیْفَ الصَّلاةُ عَلَیْکَ؟» فَقالَ: «تَقولونَ: «اللّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، کَما صَلَّیْتَ عَلَی إبْراهیمَ وَ عَلَی آلِ إبْراهیمَ، إنَّکَ حَمیدٌ مَجیدٌ»». فَهَلْ بَیْنَکُمْ مَعاشِرَ النّاسِ! فی هَذا خِلافٌ؟» فَقالوا: «لا!» فَقالَ الْمَأْمونُ: «هَذا مِمّا لا خِلافَ فیهِ اصلاً وَ عَلَیْهِ إجْماعُ الْأُمَّةِ. فَهَلْ عِنْدَکَ فی الْآلِ شَیْءٌ أوْضَحُ مِنْ هَذا فی الْقُرْآنِ؟» فَقالَ أبوالْحَسَنِ: «نَعَمْ! أخْبِرونی عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَ: «یس وَ الْقُرْآنِ الْحَکیمِ إنَّکَ لَمِنَ الْمُرْسَلینَ عَلی صِراطٍ مُسْتَقیمٍ». فَمَنْ عَنَی بِقَوْلِهِ «یس»؟» قالَتِ الْعُلَماءُ: ««یس» مُحَمَّدٌ صلی‌الله‌علیه‌وآله، لَمْ یَشُکَّ فیهِ أحَدٌ.» قالَ أبوالْحَسَنِ: «فَإنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ أعْطَی مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدٍ مِنْ ذَلِکَ فَضْلاً، لا یَبْلُغُ أحَدٌ کُنْهَ وَصْفِهِ إلّا مَنْ عَقَلَهُ وَ ذَلِکَ أنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یُسَلِّمْ عَلَی أحَدٍ إلّا عَلَی الْأنْبیاءِ علیهم‌السلام، فَقالَ تَبارَکَ وَ تَعالَی: «سَلامٌ عَلی نوحٍ فی الْعالَمینَ» وَ قالَ: «سَلامٌ عَلی إبْراهیمَ» وَ قالَ: «سَلامٌ عَلی موسی وَ هارونَ» وَ لَمْ یَقُلْ: «سَلامٌ عَلَی آلِ نوحٍ» وَ لَمْ یَقُلْ: «سَلامٌ عَلَی آلِ إبْراهیمَ» وَ لا قالَ: «سَلامٌ عَلَی آلِ موسَی وَ هارونَ» وَ قالَ عَزَّ وَ جَلَّ: «سَلامٌ عَلَی آلِ یس» یَعْنی آلَ مُحَمَّدٍ صلی‌الله‌علیه‌وآله». فَقالَ الْمَأْمونُ: «لَقَدْ عَلِمْتُ أنَّ فی مَعْدِنِ النُّبُوَّةِ شَرْحَ هَذا وَ بَیانَهُ. فَهَذِهِ السّابِعَةُ» (قال الرضا علیه‌السلام) «وَ أمّا الثّامِنَةُ، فَقَوْلُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَ: «وَ اعْلَموا أنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَأنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسولِ وَ لِذی الْقُرْبی»، فَقَرَنَ سَهْمَ ذی الْقُرْبَی بِسَهْمِهِ وَ بِسَهْمِ رَسولِ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله. فَهَذا فَضْلٌ أیْضاً بَیْنَ الْآلِ وَ الْأُمَّةِ، لِأنَّ اللهَ تَعالَی جَعَلَهُمْ فی حَیِّزٍ وَ جَعَلَ النّاسَ فی حَیِّزٍ دونَ ذَلِکَ وَ رَضیَ لَهُمْ ما رَضیَ لِنَفْسِهِ وَ اصْطَفاهُمْ فیهِ، فَبَدَأ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ ثَنَّی بِرَسولِهِ، ثُمَّ بِذی الْقُرْبَی فی کُلِّ ما کانَ مِنَ الْفَیْءِ وَ الْغَنیمَةِ وَ غَیْرِ ذَلِکَ مِمّا رَضیَهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِنَفْسِهِ فَرَضیَ لَهُمْ. فَقالَ وَ قَوْلُهُ الْحَقُ: «وَ اعْلَموا أنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَأنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسولِ وَ لِذی الْقُرْبی». فَهَذا تَأْکیدٌ مُؤَکَّدٌ وَ أثَرٌ قائِمٌ لَهُمْ إلَی یَوْمِ الْقیامَةِ فی کِتابِ اللهِ النّاطِقِ الَّذی «لا یَأْتیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزیلٌ مِنْ حَکیمٍ حَمیدٍ» وَ أمّا قَوْلُهُ: «وَ الْیَتامی وَ الْمَساکینِ»، فَإنَّ الْیَتیمَ إذا انْقَطَعَ یُتْمُهُ، خَرَجَ مِنَ الْغَنائِمِ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ فیها نَصیبٌ وَ کَذَلِکَ الْمِسْکینُ، إذا انْقَطَعَتْ مَسْکَنَتُهُ، لَمْ یَکُنْ لَهُ نَصیبٌ مِنَ الْمَغْنَمِ وَ لا یَحِلُّ لَهُ أخْذُهُ وَ سَهْمُ ذی الْقُرْبَی قائِمٌ إلَی یَوْمِ الْقیامَةِ، فیهِمْ لِلْغَنیِّ وَ الْفَقیرِ مِنْهُمْ، لِأنَّهُ لا أحَدَ أغْنَی مِنَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لا مِنْ رَسولِ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله، فَجَعَلَ لِنَفْسِهِ مِنْها سَهْماً وَ لِرَسولِهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله سَهْماً، فَما رَضیَهُ لِنَفْسِهِ وَ لِرَسولِهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله رَضیَهُ لَهُمْ وَ کَذَلِکَ الْفَیْءُ، ما رَضیَهُ مِنْهُ لِنَفْسِهِ وَ لِنَبیِّهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله، رَضیَهُ لِذی الْقُرْبَی، کَما أجْراهُمْ فی الْغَنیمَةِ. فَبَدَأ بِنَفْسِهِ جَلَّ جَلالُهُ، ثُمَّ بِرَسولِهِ، ثُمَّ بِهِمْ وَ قَرَنَ سَهْمَهُمْ بِسَهْمِ اللهِ وَ سَهْمِ رَسولِهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله وَ کَذَلِکَ فی الطّاعَةِ قالَ: «یا أیُّها الَّذینَ آمَنوا أطیعوا اللهَ وَ أطیعوا الرَّسولَ وَ أولی الْأمْرِ مِنْکُمْ». فَبَدَأ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِرَسولِهِ، ثُمَّ بِأهْلِ بَیْتِهِ. کَذَلِکَ آیَةُ الْوَلایَةِ: «إنَّما وَلیُّکُمُ اللهُ وَ رَسولُهُ وَ الَّذینَ آمَنوا الَّذینَ یُقیمونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعونَ»، فَجَعَلَ طاعَتَهُمْ مَعَ طاعَةِ الرَّسولِ، مَقْرونَةً بِطاعَتِهِ. کَذَلِکَ وَلایَتَهُمْ مَعَ وَلایَةِ الرَّسولِ، مَقْرونَةً بِطاعَتِهِ، کَما جَعَلَ سَهْمَهُمْ مَعَ سَهْمِ الرَّسولِ، مَقْروناً بِسَهْمِهِ فی الْغَنیمَةِ وَ الْفَیْءِ. فَتَبارَکَ اللهُ وَ تَعالَی! ما أعْظَمَ نِعْمَتَهُ عَلَی أهْلِ هَذا الْبَیْتِ. فَلَمّا جاءَتْ قِصَّةُ الصَّدَقَةِ، نَزَّهَ نَفْسَهُ وَ رَسولَهُ وَ نَزَّهَ أهْلَ بَیْتِهِ، فَقالَ: «إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساکینِ وَ الْعامِلینَ عَلَیْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُمْ وَ فی الرِّقابِ وَ الْغارِمینَ وَ فی سَبیلِ اللهِ وَ ابْنِ السَّبیلِ فَریضَةً مِنَ اللهِ». فَهَلْ تَجِدُ فی شَیْءٍ مِنْ ذَلِکَ أنَّهُ سَمَّی لِنَفْسِهِ أوْ لِرَسولِهِ أوْ لِذی الْقُرْبَی؟ لِأنَّهُ لَمّا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ وَ نَزَّهَ رَسولَهُ وَ نَزَّهَ أهْلَ بَیْتِهِ، لا بَلْ حَرَّمَ عَلَیْهِمْ، لِأنَّ الصَّدَقَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَی مُحَمَّدٍ صلی‌الله‌علیه‌وآله وَ آلِهِ وَ هیَ أوْساخُ أیْدی النّاسِ، لا یَحِلُّ لَهُمْ، لِأنَّهُمْ طُهِّروا مِنْ کُلِّ دَنَسٍ وَ وَسَخٍ. فَلَمّا طَهَّرَهُمُ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اصْطَفاهُمْ، رَضیَ لَهُمْ ما رَضیَ لِنَفْسِهِ وَ کَرِهَ لَهُمْ ما کَرِهَ لِنَفْسِهِ عَزَّ وَ جَلَّ. فَهَذِهِ الثّامِنَةُ. وَ أمّا التّاسِعَةُ، فَنَحْنُ أهْلُ الذِّکْرِ الَّذینَ قالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَ: «فَسْئَلوا أهْلَ الذِّکْرِ إنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ». فَنَحْنُ أهْلُ الذِّکْرِ، فَاسْألونا إنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ.» فَقالَتِ الْعُلَماءُ: «إنَّما عَنَی اللهُ بِذَلِکَ الْیَهودَ وَ النَّصارَی.» فَقالَ أبوالْحَسَنِ علیه‌السلام: «سُبْحانَ اللهِ! وَ هَلْ یَجوزُ ذَلِکَ إذاً یَدْعونّا إلَی دینِهِمْ وَ یَقولونَ إنَّهُ أفْضَلُ مِنْ دینِ الْإسْلامِ؟!» فَقالَ الْمَأْمونُ: «فَهَلْ عِنْدَکَ فی ذَلِکَ شَرْحٌ بِخِلافِ ما قالوهُ، یا أباالْحَسَنِ!» فَقالَ أبوالْحَسَنِ: «نَعَمْ! الذِّکْرُ رَسولُ اللهِ وَ نَحْنُ أهْلُهُ وَ ذَلِکَ بَیِّنٌ فی کِتابِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ حَیْثُ یَقولُ فی سورَةِ الطَّلاقِ: «فاتَّقوا اللهَ یا أولی الْألْبابِ الَّذینَ آمَنوا قَدْ أنْزَلَ اللهُ إلَیْکُمْ ذِکْراً رَسولاً یَتْلوا عَلَیْکُمْ آیاتِ اللهِ مُبَیِّناتٍ»، فَالذِّکْرُ رَسولُ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله وَ نَحْنُ أهْلُهُ. فَهَذِهِ التّاسِعَةُ. وَ أمّا الْعاشِرَةُ، فَقَوْلُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ فی آیَةِ التَّحْریمِ: «حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهاتُکُمْ وَ بَناتُکُمْ وَ أخَواتُکُمْ» الْآیَةَ، فَأخْبِرونی هَلْ تَصْلُحُ ابْنَتی وَ ابْنَةُ ابْنی وَ ما تَناسَلَ مِنْ صُلْبی لِرَسولِ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله أنْ یَتَزَوَّجَها لَوْ کانَ حَیّاً؟» قالوا: «لا!» قالَ: «فَأخْبِرونی هَلْ کانَتْ ابْنَةُ أحَدِکُمْ تَصْلُحُ لَهُ أنْ یَتَزَوَّجَها لَوْ کانَ حَیّاً؟» قالوا: «نَعَمْ!» قالَ: «فَفی هَذا بَیانٌ لِأنّی أنا مِنْ آلِهِ وَ لَسْتُمْ مِنْ آلِهِ وَ لَوْ کُنْتُمْ مِنْ آلِهِ لَحَرُمَ عَلَیْهِ بَناتُکُمْ کَما حَرُمَ عَلَیْهِ بَناتی، لِأنّی مِنْ آلِهِ وَ أنْتُمْ مِنْ أُمَّتِهِ. فَهَذا فَرْقٌ بَیْنَ الْآلِ وَ الْأُمَّةِ، لِأنَّ الْآلَ مِنْهُ وَ الْأُمَّةُ إذا لَمْ تَکُنْ مِنَ الْآلِ فَلَیْسَتْ مِنْهُ. فَهَذِهِ الْعاشِرَةُ. وَ أمّا الْحادیَةَ عَشَرَةَ، فَقَوْلُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ فی سورَةِ الْمُؤْمِنِ، حِکایَةً عَنْ قَوْلِ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: «وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَکْتُمُ إیمانَهُ أ تَقْتُلونَ رَجُلاً أنْ یَقولَ رَبّیَ اللهُ وَ قَدْ جاءَکُمْ بِالْبَیِّناتِ مِنْ رَبِّکُمْ» إلَی تَمامِ الْآیَةِ، فَکانَ ابْنَ خالِ فِرْعَوْنَ، فَنَسَبَهُ إلَی فِرْعَوْنَ بِنَسَبِهِ وَ لَمْ یُضِفْهُ إلَیْهِ بِدینِهِ وَ کَذَلِکَ خُصِّصْنا نَحْنُ إذْ کُنّا مِنْ آلِ رَسولِ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله بِوِلادَتِنا مِنْهُ وَ عَمَّمَنا النّاسُ بِالدّینِ. فَهَذا فَرْقٌ بَیْنَ الْآلِ وَ الْأُمَّةِ. فَهَذِهِ الْحادیَةَ عَشَرَةَ. وَ أمّا الثّانیَةَ عَشَرَةَ، فَقَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ: «وَ أْمُرْ أهْلَکَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَیْها». فَخَصَّصَنا اللهُ تَبارَکَ وَ تَعالَی بِهَذِهِ الْخُصوصیَّةِ، إذْ أمَرَنا مَعَ الْأُمَّةِ بِإقامَةِ الصَّلاةِ، ثُمَّ خَصَّصَنا مِنْ دونِ الْأُمَّةِ. فَکانَ رَسولُ اللهِ صلی‌الله‌علیه‌وآله یَجیءُ إلَی بابِ عَلیٍّ وَ فاطِمَةَ علیهماالسلام بَعْدَ نُزولِ هَذِهِ الْآیَةِ تِسْعَةَ أشْهُرٍ، کُلَّ یَوْمٍ عِنْدَ حُضورِ کُلِّ صَلاةٍ، خَمْسَ مَرّاتٍ، فَیَقولُ: «الصَّلاةَ! رَحِمَکُمُ اللهُ» وَ ما أکْرَمَ اللهُ أحَداً مِنْ ذَراریِّ الْأنْبیاءِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْکَرامَةِ الَّتی أکْرَمَنا بِها وَ خَصَّصَنا مِنْ دونِ جَمیعِ أهْلِ بَیْتِهِمْ». فَقالَ الْمَأْمونُ وَ الْعُلَماءُ: «جَزاکُمُ اللهُ أهْلَ بَیْتِ نَبیِّکُمْ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَیْراً، فَما نَجِدُ الشَّرْحَ وَ الْبَیانَ فیما اشْتَبَهَ عَلَیْنا إلّا عِنْدَکُمْ»».

کلیدواژه‌ها:

فهرست مطالب

باز کردن همه | بستن همه